( الصفحة 326 )
البناء ; سواء كان في الشهرين المتتابعين ، أو الكفّارات التي حكمنا فيها باعتبار التتابع احتياطاً ، وحكي عن صاحب المدارك(1) إنكار البناء مطلقاً ; نظراً إلى اختصاص النصوص بالشهرين بأجمعها ما عدا رواية ابن أشيم(2) الضعيفة على المشهور ، فلابدّ من الاقتصار في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مورد النصّ ، فيبقى المكلّف في غيره تحت العهدة إلى أن يتحقّق الامتثال برعاية التتابع .
ويردّه: أنّ الروايات الدالّة على عدم قدح الإفطار لعذر وإن كانت واردة في مورد الشهرين ، إلاّ أنّ بعضها(3) مشتمل على التعليل الجاري في غيرهما ، مضافاً إلى أنّ أصل الحكم فيه احتياطي ، كما عرفت .
- (1) مدارك الأحكام 6 : 247 .
(2) الكافي 4 : 141 ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 287 ح 868 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 371 ، كتاب الصوم ، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 3 ح 2 .
(3) وهي رواية سليمان بن خالد المتقدّمة .
( الصفحة 327 )
وأمّا المندوب منه
فالمؤكّد منه أفراد :
منها : صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، وأفضل كيفيّتها: أوّل خميس منه ، وآخر خميس منه ، وأوّل أربعاء في العشر الثاني .
ومنها : أيّام البيض ; وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر .
ومنها : يوم الغدير ; وهو الثامن عشر من ذي الحجّة .
ومنها : يوم مولد النبي (صلى الله عليه وآله) ; وهو السابع عشر من ربيع الأوّل .
ومنها : يوم مبعثه (صلى الله عليه وآله) ; وهو السابع والعشرون من رجب .
ومنها : يوم دحو الأرض ; وهو الخامس والعشرون من ذى القعدة .
ومنها : يوم عرفة لمن لم يُضعفه الصوم عمّا عزم عليه من الدعاء مع تحقّق الهلال على وجه لا يحتمل وقوعه في يوم العيد .
ومنها : يوم المباهلة ; وهو الرابع والعشرون من ذى الحجّة ، يصومه بقصد القربة المطلقة، وشكراً لإظهار النبي (صلى الله عليه وآله) فضيلة عظيمة من فضائل مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) .
ومنها : كلّ خميس وجمعة .
( الصفحة 328 )
ومنها : أوّل ذى الحجّة إلى يوم التاسع .
ومنها : رجب وشعبان كلاًّ أو بعضاً ولو يوماً من كلّ منهما .
ومنها : يوم النيروز .
ومنها : أوّل يوم من المحرّم وثالثه 1 .
1ـ يدلّ على استحباب الصوم في جميع الأيّام ما عدا الأيّام المحظورة والمكروهة ـ مضافاً إلى كونه عبادة ، ولازم العباديّة الاستحباب ـ قوله ـ تعالى ـ في الحديث القدسي : الصوم لي وأنا أُجزي به(1) ، وقوله : الصوم جنّة من النار (2) ، وأ نّ نوم الصائم عبادة(3)، والأخبار الكثيرة(4) . كما أنّها تدلّ على تأكّد استحبابه في الأيّام المذكورة في المتن .
وتلك الأخبار ـ وإن فرض الخلل في بعضها ـ تكون مستظهرة بقاعدة التسامح في أدلّة السنن ، ولا فرق في جريان هذه القاعدة بين أصل الاستحباب وتأكّده . وعليه : فلا حاجة إلى البحث في كلّ واحد منها أصلا كما لايخفى ، ولو قلنا بشمول أخبار(5) «من بلغ» للفتاوي أيضاً، يكفي الفتوى بذلك من مثل الماتن (قدس سره) .
- (1) الفقيه 2 : 44 ح 198 ، تهذيب الأحكام 4 : 152 ح 420 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 400 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المندوب ، ب 1 ح 15 و 16 .
(2) الكافي 4 : 62 ح 1 و 3 ، الفقيه 2 : 44 ح 196 و ص 45 ح 200 ، تهذيب الأحكام 4 : 191 ح 544 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 395 ، كتاب الصوم ،أبواب الصوم المندوب ، ب1 ح1 و ص 398 ح8 وص 400 ح13 .
(3) الكافي 4 : 64 ح 12 ، الفقيه 2 : 46 ح 207 ، ثواب الأعمال : 75 ح 2 و 3 ، المقنعة : 304 ، وعنها وسائل الشيعة 10 :396 ، كتاب الصوم ،أبواب الصوم المندوب ، ب 1 ح 4 وص 401 ح 17 وص 403 ح 23 و 24 .
(4) وسائل الشيعة 10 : 395 ـ 407 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المندوب ، ب 1 .
(5) وسائل الشيعة 1 : 80 ـ 82 ، كتاب الطهارة ، أبواب مقدّمة العبادات ب 18، وبحار الأنوار 2 : 256 ب 30 ح1ـ 4 .
( الصفحة 329 )
وأمّا المكروه
فصوم الضيف نافلة من دون إذن مضيّفة ، وكذا مع نهيه ، والأحوط تركه حتّى مع عدم الإذن . وصوم الولد من دون إذن والده مع عدم الإيذاء لهمن حيث الشفقّة ، ولا يُترك الاحتياط مع نهيه وإن لم يكن إيذاءً . وكذا معنهي الوالدة . والأحوط إجراء الحكم على الولد وإن نزل والوالد وإن علا ،بل الأولى مراعاة إذن الوالدة أيضاً .
والأولى ترك صوم يوم عرفة لمن يضُعفه الصوم عن الأدعية والاشتغال بها ، كما أنّ الأولى ترك صومه مع احتمال كونه عيداً . وأمّا الكراهة بالمعنى المصطلح حتّى في العبادات فيهما فالظاهر عدمها 1 .
1ـ المراد بالكراهة ليست هي الكراهة المصطلحة ، بل بمعنى قلّة الثواب إلاّ بالإضافة إلى بعض الأقسام المذكورة في ذيل المسألة ، ونقول :
من المكروهات صوم الضيف نافلة من دون إذن مضيّفه، فضلا عن صورة نهيه ، وقد احتاط بالترك حتّى مع عدم الإذن ، فنقول :
إنّ الأقوال في المسألة على ما ذكرها في الجواهر ثلاثة : فالمعروف والمشهور
( الصفحة 330 )
الكراهة مطلقاً(1) ، وذهب جماعة كالشيخين(2) والمحقّق في المعتبر(3)، وابن إدريس في السرائر(4)، والعلاّمة في التبصرة(5)، وجمع آخر(6) إلى عدم الجواز ، فلا يصحّ الصوم بدون الإذن .
واحتمل في الجواهر(7) تنزيل كلامهم على صورة النهي ، فيتّحد مع القول الثالث الذي اختاره المحقّق في الشرائع من التفصيل بين عدم الإذن فيكره ، وبين النهي فلايصحّ ولا ينعقد ، والروايات الواردة في هذا المجال كثيرة .
منها : صحيحة الفضيل بن يسار ـ التي رواها الصدوق عنه ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) (أبي جعفر (عليه السلام) خ ل) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتّى يرحل عنهم ، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلاّ بإذنهم لئلاّ يعملوا (له خ ل) الشيء فيفسد (عليهم خ ل) ، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلاّ بإذن الضيف لئلاّ يحتشمهم فيشتهي الطعام فيتركه لهم(8) .
والظاهر دلالتها على الكراهة ، غاية الأمر أنّه لا يكون لها دلالة على أنّ الكراهة عامّة لجميع أهل البلد الذي يدخل عليه بالإضافة إلى المؤمنين ، كما يدلّ عليه
- (1) رياض المسائل 5: 467، جواهر الكلام 17 : 116 ـ 118 ، المستند في شرح العروة 22 : 320 .
(2) المقنعة: 367 ، النهاية 170 ، المبسوط 1 : 283 .
(3) المعتبر 2 : 712 .
(4) السرائر 1 : 420 .
(5) تبصرة المتعلّمين : 68 .
(6) الروضة البهيّة 2 : 137، الوافي 11 : 88 ، الحدائق الناضرة 13 : 253 .
(7) جواهر الكلام 17 : 118 .
(8) الفقيه 2 : 99 ح 444 ، علل الشرائع : 384 ب 115 ح 1 و 2 ، الكافي 4 : 151 ح 3 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 528 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب 9 ح 1 .